الميزانية التي تفيض خيراً وبركة
منذ وعيت على الأخبار المحلية، وأذني لم تخطئ سماع خبرين= الأول عن نجاح موسم الحج، والثاني وصف ميزانية الدولة بالخير والبركة، ومن الطبيعي أن أفرح بهذين الأمرين، وأدعو الله أن يكون النجاح دائماً وحقيقيا، وأن تكون البركة عامة والخير شاملا. ويتزامن مع صدور الميزانية السنوية مرسوم يحدد بعض القواعد والإجراءات التي يجب اتباعها عند تنفيذ الميزانية، وهذه التعليمات تتكرر سنوياً مع شيء يسير من التجديد، وهو أسلوب متعارف عليه حتى يعلم المسؤولون حدود صلاحياتهم المالية؛ وعن كيفية الإفادة من الميزانية الجديدة. ومع مستجدات الأحداث وتطور المجتمعات، نجمت قضايا لا مناص من مراعاتها عند صدور الميزانية وتعليماتها، خاصة وأننا في دولة نفطية كبرى، ودخلها السنوي يبلغ رقماً كبيراً والحمدلله، وأعداد السكان في تزايد، ومستواهم المعرفي في تصاعد، وحاجاتهم ومطالبهم ملحة، ورغبتهم في الشفافية والمشاركة يتعالى سقفها مع كل تغريدة. فمن التعليمات المهمة المرجوة بعد الميزانية، أن تتابع هيئة مكافحة الفساد أرصدة كل مسؤول له صلاحيات مالية مرتفعة، على أن تكون المتابعة مرتين: مع صدور الميزانية وحين إقفالها. ومن التعليمات تحديد موعد زمني واضح للمشروعات المعتمدة ضمن أعمال الميزانية؛ ومحاسبة المسؤول الأول عن تنفيذ هذه الأعمال في وقتها، وتتولى أجهزة الرقابة التأكد من جودة تنفيذ المشاريع حتى لا تنكشف أمام قطرات ماء أو ذرات غبار! ومن القواعد المنشودة أن يستفيد جميع المواطنين من الميزانية، فللفقير حق فيها يرفع عنه ذل الفقر، وللعاطل نصيب منها حتى يجد عملاً يناسبه دون مماطلة منه، وللمرأة في بيتها قسم منها لأنها تؤدي أعظم عمل يمكن أن تفعله المرأة في أي مجتمع حتى لو لم يكن ذا بال عند دعاة التمكين وفق السيداو، ولذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى المزمنين حق فيها إذا لم تستطع أجهزة الدولة الصحية علاجهم مجانا، وللشباب من الجنسين واجب في عنق الحكومة؛ بأن تعينهم على الزواج والعفاف بمنحة مقطوعة مجزية تصرف بيسر وسرعة لكل شاب يعقد قرانه ودخله الشهري أقل من عشرة آلاف، وبذلك تعظم بركة الميزانية ويزداد خيرها حين تسهم في علاج مشكلات الإسكان والبطالة والعنوسة والمخدرات، فالمجتمع في ذمة الحكومة وسوف يسألون. ومما نأمله في ميزانيتنا المباركة أن تتجه نحو المشاريع المنتجة، والمشاريع التي تخلق فرصاً وظيفية للمواطنين؛ وألا تكتفي بمشروعات التشييد والبناء، والمشروعات المنتجة يمكن أن تكون صناعية أو زراعية أو حيوانية أو استثمارية أو تقنية، فلسنا أقل من دول آسيا التي تندر فيها الموارد الطبيعية والنفطية ومع ذلك فاقتصادها في ازدهار متواصل. ومن المراد من هذه الميزانية دعم استقرار السلع والخدمات الرئيسة، فقد يكون ذلك أعظم نفعاً من المنح المباشر. ومما يقال في الميزانية أن عدداً كبيراً من المعتقلين والموقوفين الذين لم يحاكموا بعد، أو حوكموا وانتهت محكوميتهم ولم يخرجوا من المعتقلات حتى الآن، لهم أسر وبيوت تحتاج من يصرف عليها، ومن الحكمة ألا تجمع الحكومة على أهالي المعتقلين حرمانهم من أبنائهم وقطع أرزاقهم، خاصة أن كثيراً من ذوي المعتقلين يعتقدون عدم شرعية الاعتقال أو طول مدته دون مسوغ، وفي هذا من البلاء ما لا يخفف منه إلا أن تدفع الحكومة رواتب المعتقلين كما هي بزياداتها وبدلاتها إلى أن يصدر حكم قضائي نهائي بحق كل واحد منهم، وليس هذا بكثير على الشعب الوفي، وليس بمرهق لميزانيتنا الضخمة، وهو ينسجم مع العلاقة المتينة بين الأسرة الحاكمة وشركائها المواطنين. إن للحكومة مسؤولية اجتماعية واقتصادية تجاه مواطنيها، كما أن لها حقوقا عليهم، وحين نتحدث عن المال الذي استفاض واستفاضت معه أخبار وأرقام، فلسنا نريد سوى قواعد تحفظ دخلنا المحلي، وتضمن استفادة الجميع من المال، وتؤسس لمشروعات توظف وتنتج وتكون رافداً للميزانية، ونريد أن نشعر أن جيوب المسؤولين لم تتورم من المال العام، وأن هذا المال بفعل الرقابة الذاتية والمجتمعية والرسمية صار في حرز أمين يوجب الحد، وأنه قد فاض خيراً وبركة على بلادنا في جميع المجالات التنموية والاجتماعية والأمنية والتعليمية.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
|